لماذا نستهلك؟!
هنا يبرز سؤال هام وهو لماذا يقوم الأفراد بالاستهلاك أصلا؟ ما هو الدافع لذلك؟ والجواب هو لأنهم يتوقعون تحقيق منفعة ما من شرائهم لهذه السلع والخدمات، كرغيف خبز مثلاً في حالة جوع أو مشروب بارد في ساعة عطش أو معطف يقي برد الشتاء.. وهكذا وهو ما يقودنا إلى سؤال آخر ما هي المنفعة؟
المنفعة: هي اللذة أو الإشباع أو تلبية الحاجات التي يفتقدها الأفراد ويتحصلون عليها من جراء استهلاك السلع والخدمات، وتناقص هذه المنفعة أو الإشباع الذي تقدمه السلع والخدمات مع ازدياد الوحدات المستهلكة وهو ما يُعرف بمبدأ تناقص المنفعة الحدية Diminishing Marginal utility والذي نشر لأول مرة في كتاب نظرية الاقتصاد السياسي "للاقتصادي الإنجليزي وليم ستانلي عام 1871م ولتوضيح هذا المبدأ نطرح المثال التالي:
لنفترض أنك تسير في أحد الشوارع في وقت الظهيرة حيث درجة الحرارة مرتفعة وشعرت بالعطش الشديد، وقررت أن تروي ظمأك وتوقفت بالفعل عند أحد المحلات التي تبيع المشروبات الباردة، قم الآن بتناول كوب من العصير البارد فستشعر بلذة العصير وأنه قد روى جزءاً من عطشك، ولكنك ما زلت في حاجة إلى كوب آخر، قم بتناول الكوب الثاني ستشعر أيضاً بلذة العصير، والإشباع الذي يعطيه لك، ولكن اللذة ستكون بصورة أقل من الكوب الأول، قم بتناول الكوب الثالث ستشعر أيضاً باللذة والإشباع ولكن بصورة أقل من الكوب الثاني، وهكذا استمر في هذه العملية على قدر ما تستطيع بشرط أن يكون معك النقود الكافية طبعاً، ماذا تلاحظ؟ ستلاحظ أن حجم المنفعة أو اللذة التي تشعر بها يتناقص مع كل كوب إضافي تتناوله، بل وأكثر من ذلك ستشعر مع الأكواب الأخيرة بعدم الرغبة وضيق في التنفس بسبب كثرة الشرب، كما يمكن أن تصاب بحالة من الغثيان أيضاً وأن آخر كوب شربته لم تستطع إكماله، فما هو تفسير ذلك؟؟
لقد ظلت المنفعة التي يقدمها كل كوب تتناقص حتى وصلت إلى الصفر بمعنى أنه عند تلك اللحظة فإن شرب أي كوب إضافي لن يضيف أي منفعة بل على العكس ستكون المنفعة بالسالب، وهو ما يفسر حالة الغثيان وضيق التنفس الأمر الذي يحتم التوقف عن استهلاك العصير قبل الوصول إلى هذه المرحلة بقليل.
تعتبر المنفعة فكرة موضوعية ولم يخترع لها آلة وجهاز لقياس المنفعة تشبه جهاز قياس ضغط الدم مثلاً والأرقام التي تقدم في هذا الصد ما هي إلا وسيلة لإيضاح الفكرة فقد تستطيع حساب عدد السعرات الحرارية في وجبة الغداء أو العشاء التي ستتناولها، ولكن لا تستطيع حساب عدد وحدات المنفعة، فالمنفعة شعور يحس به المستهلك نفسه، إلا أن درجاتها تختلف من مستهلك لآخر.
ومن هنا يتضح لنا أن السلوك الاستهلاكي يفترض أن يبدأ عندما تعطي السلعة أو الخدمة المستهلكة أعظم إشباع ممكن ويستمر استهلاكها حتى يصل هذا الإشباع أو المنفعة إلى الصفر، وهي النقطة التي يفترض أن يتوقف الاستهلاك عندها أو قبلها بقليل، وعليه فإن القول بأن "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" هو قاعدة استهلاكية سليمة تعني ضرورة توفر مبدأين أساسيين:
1- أن يتم الاستهلاك عندما تعطي السلعة أعظم إشباع ممكن، وهذا لا يتحقق إلا بوجود شعور حقيقي بالحاجة إليها (حتى نجوع). 2- أن يتوقف الاستهلاك عند انتفاء المنفعة أو الإشباع الذي تقدمه وهي مرحلة الشبع في الحديث المذكور أعلاه والتي ينبغي التوقف قبلها بقليل، وبالتالي تكون السلعة قد حققت الغرض الذي اشتريت من أجله وانتفت الحاجة إلى استهلاك المزيد منها.