إنها حقا كارثة تستوجب الوقوف .. ولفت الانتباه .. فالواقع يؤكد أن معدلات البطالة فى تزايد مستمر ، الجميع يحاول البحث عن طريق للخروج من الأزمة ولكن الواضح أنه يزداد ابتعادا!!</SPAN>
</SPAN>
فى السطور التالية نحاول الاقتراب من جذور المشكلة بشكل موضوعى بعيدأ عن المزايدات وإلقاء الاتهامات فى محاولة للوقوف على تفاصيل وأبعاد القضية فى محاولة لإيجاد الطريق الصحيح</SPAN>
</SPAN>
البطالة ، بوجه عام، هى تعبير عن قصور فى تحقيق الغايات من العمل فى المجتمعات البشرية، وحيث الغايات من العمل متعددة، تتعدد مفاهيم البطالة فيقصد بالبطالة السافرة وجود أفراد قادرين على العمل وراغبين فيه، ولكنهم لا يجدون عملاً ، وللأسف يقتصر الاهتمام بالبطالة، فى حالات كثيرة، على البطالة السافرة فقط.
</SPAN>
لكن مفهوم البطالة، أو نقص التشغيل، يمتد إلى الحالات التى جميلس فيها فرد عملاً ولكن لوقت أقل من وقت العمل المعتاد، أو المرغوب. وتسمى هذه الظاهرة البطالة الجزئية الظاهرة أو نقص التشغيل الظاهر. ويمكن اعتبار نقص التشغيل الظاهر تنويعة على صنف البطالة السافرة.
</SPAN>
ويحدث فى بعض المجتمعات أن يعانى بعض من أفرادها، فى الوقت نفسه، من زيادة فى التشغيل، بمعنى عملهم وقتاً أطول من معيار معتاد لكى يتمكنوا من الوفاء باحتياجاتهم، وهو وجه آخر من أوجه اختلال التشغيل فى المجتمع.
</SPAN>
كذلك يمكن أن يعانى الأشخاص المشتغلون، ولو كل الوقت المعتاد، من نقص التشغيل المستتر أو البطالة المقنعة، عندما تكون إنتاجيتهم، أو كسبهم، أو استغلال مهاراتهم وقدراتهم، متدنية حسب معيار ما، وهذه أخبث أنواع البطالة، خاصة فى المجتمعات النامية. حيث نقص التشغيل المستتر هو الوجه الآخر لتدنى الإنتاجية الاجتماعية للعمل المبذول؛ أو لقصور الدخل من العمل عن الوفاء بالحاجات الأساسية، ومن ثم انخفاض مستوى الرفاه الاجتماعى الكلى، أى الإفقار؛ أو لإهدار الطاقات البشرية والاستثمار فى التعليم نتيجة لقلة التوافق بين نظم التعليم واحتياجات سوق العمل؛ أو لتحمل شروط عمل غير آدمية مثل وقت عمل بالغ الطول أو بيئة عمل مضرة؛ وكلها قسمات جوهرية للتخلف. ومن أسفٍ، أن نقص التشغيل المستتر لا يلقى العناية الواجبة فى مناقشة البطالة. ويعود هذا، أساساً، إلى الصعوبات الكبيرة التى تحيط بهذه الظاهرة، فى الفهم والقياس والتشخيص والعلاج.
</SPAN>
وتزداد أهمية التفرقة بين ألوان البطالة فى البلدان النامية التى لا يلتحق بالقطاع الحديث من النشاط الاقتصادى فيها إلا قلة من العاملين. حتى هذه القلة لا تتمتع بمزايا العمل، أو التعويض عن البطالة، المعتادة فى الاقتصادات الرأسمالية الناضجة (لهذا لا يستقيم، كما يقال أحياناً، أن معدل البطالة فى مصر يقل عن أوروبا مثلاً).
</SPAN>
يتأثر تقدير حجم البطالة في مصر بالمشاكل المفاهيمية والعجز الإحصائي بالشكل الذي ظهر فيما سبق ، حيث إن أول ما يواجهنا من عقبات عند التصدي لقضية البطالة هو قلة البيانات وعدم دقتها بشكل يقود إلى تصور إجراءات التصحيح والعلاج.
</SPAN>
ويمكننا تتبع تطور حجم مشكلة البطالة في مصر من خلال بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول تقدير حجم البطالة حيث نجد أنه في عام 1960 كان معدل البطالة 2.5 % من إجمالي حجم القوى العاملة، وفي تعداد 1976 يقفز الرقم إلى 7.7 % ثم إلى 14.7 % من تعداد 1986، ولكنه وصل في 1996 8.8 %.
</SPAN>
على أنه من المهم هنا أن تشير إلى أن تلك الأرقام تتعلق فقط بالبطالة السافرة فهي لا تشمل البطالة المقنعة الإنتاجية كما لا تشمل البطالة الموسمية أي هؤلاء الذي يعملون في موسم معين ثم يتعطلون باقي العام كما لا تشمل أولئك الذين يعملون في حرف وقطاعات هامشية لا استقرار فيها تتسم بضعف الدخل للدرجة التي لا توفر الحياة اللائقة.
</SPAN>
أما بالنسبة لرقم ومعدل البطالة الحقيقية في الوقت الراهن فهناك اختلاف فيها، فبيانات الحكومة متمثلة في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن عدد العاطلين في مصر قد بلغ نحو 1.78 مليون عاطل في بداية عام 2002 بما يعني أن معدل البطالة قد بلغ نحو 9.1 % وبالمقابل تشير بيانات البنك المركزي المصري في نشرته الإحصائية والشهرية الصادرة في أبريل 2002، إلى أن عدد العاطلين في مصر ثابت عند 1.5 مليون عاطل من العام المالي 69/97 وحتى العام المالي 2000/2001 حيث بلغ 7.6 % من إجمالي قوة العمل البالغ نحو 19.5 مليون نسمه.
</SPAN>
وهذه البيانات بدورها تختلف عن البيانات التي أوردها صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 2001، ولكنها جاءت معتمدة على بيانات عام 1995، وهو العام الذي تتوقف عنده بيانات صندوق النقد الدولي لعدم وجود بيانات يمكن للصندوق أن يأخذ بها للأعوام التالية لعام 1995.
</SPAN>
كما يمكن الوصول إلى تقدير رقم أخر لحجم البطالة يختلف عن الأرقام السابقة، ويستمد من بيانات حكومية موثقة وذلك من خلال البيانات التي أعلنتها اللجنة العليا للتشغيل برئاسة رئيس الوزراء عند تطبيقها لنظام للتعامل المتقدمين لشغل عدد 170 ألف وظيفة حكومية تم الإعلان عنها عام 2001 فقد بلغ عدد عن يسحب استمارة تشغيل نحو 7 مليون شخص أما من قام بتقديم طلب فعلي لشغل الوظيفة فقد بلغ نحو 4.40 </SPAN>مليون.
</SPAN>
وقد أشارت اللجنة الوزارية العليا للتشغيل إلى أن 53.5 % من بين 4.4 مليون تقدموا لشغل الوظائف الحكومية لا تنطبق عليهم الشروط وهذا يعني أن 46.5 % منهم أي نحو 2.05 مليون تنطبق عليهم الشروط وأولها أن يكون عاطلاً عن العمل.
</SPAN>
يضاف إلى ذلك أنه لو تأملنا من اعتبرت الحكومة أن الشروط لا تنطبق عليهم سنجد أنهم لا زالوا داخل دائرة من يعتبر عاطل، ولكنهم خرجوا من دائرة المنافسة على 170 ألف فرصة عمل بسبب شروط أخرى للتشغيل، حيث أن 10 % من عدد المتقدمين أي نحو 440 ألف لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم بلا مؤهلات كما أنها اعتبرت أن 6.5 % من المتقدمين أي نحو 286 ألفاً لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم من خريجي ما قبل 1984.
</SPAN>
كما أنها اعتبرت أن 10% من المتقدمين أي 440 ألفاً لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم يعملون في أعمال غير دائمة وغير مؤمن عليهم. كما أعلنت اللجنة أن شروط التشغيل لا تنطبق على نحو 15 % من المتقدمين أي نحو 660 ألفاً باعتبارهم من النساء، ممن هن من خريجات النظام التعليمي اللاتي تزوجن ويعشن حياة مستقرة وكأن زواج المرأة واستقرارها يخرجها من قوة العمل، رغم أنهن في سن العمل ويرغبن في العمل وقادرات عليه.
</SPAN>
وبناء على البيانات السابقة فإن عدد العاطلين وفقاً لهذا المصدر الحكومي يصبح 3.436 مليون عاطل (أي أكثر من ضعف الرقم الرسمي المعلن للبطالة) وهو عبارة عن 2.05 اعتبرت الحكومة أنهم تنطبق عليهم شروط التشغيل الحكومي ونحو 660 ألف امرأة مؤهلة وقادرة وطلبت العمل وهي في سن النشاط الاقتصادي، ونحو 440 ألف عاطل من غير المؤهلين ونحو 286 ألفاً من العاطلين من خريجي النظام التعليمي قبل عام 1984 أو بعد عام 200.
</SPAN>
وبذلك تتضح حقيقة حجم مشكلة البطالة حيث يتوقع أن حجم البطالة الحقيقي لا يقل بأي حال من الأحوال عن 17 % : 20 % من حجم قوة العمل ومما يفاقم من خطورة هذا المعدل المرتفع لنسبة البطالة إلى قوة العمل ما تتسم به كتلة العاطلين في مصر من سمات خاصة هي:
</SPAN>
1. </SPAN>أن الشطر الأعظم من كتلة البطالة يتمثل في بطالة الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة فبناء على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإنه في عام 1992 كان عدد العاطلين من الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15، 40 عاماً قد بلغ نحو 1.47 مليون عاطل بما شكل نحو 99% من عدد العاطلين كما تركزت البطالة في الفئة الأكثر شباباً ممن تتراوح أعمارهم بين 15، و30 عاماً، حيث بلغ عدد العاطلين منهم عام 99 نحو 1.31 مليون عاطل بما شكل نحو 88 % من عدد العاطلين في ذلك العام.
</SPAN>
2. </SPAN>أن البطالة في مصر هي بطالة متعلمة فالغالبية العظمى من العاطلين من خريجي الجامعات ومدارس ثانوية، ويلاحظ أن نسبة المتعلمين في كتلة المتعطلين أخذه في الازدياد وهو ما يعني إهدار طاقات وموارد استثمارية تم استثمارها في العملية التعليمية دون أن ينتج عنها عائد، يتمثل في تشغيل هذه الطاقة البشرية لتصبح منتجة.
</SPAN>
فقد كانت تشكل نحو 76 % من جملة المتعطلين في عام 1986 أما في عام 2001 فإنه وفقاً للبيانات المستخدمة من بيانات اللجنة العليا للتشغيل فإن العدد الإجمالي للمتعطلين بلغ 3.438 مليون عاطل منهم نحو 3 ملايين متعلم مما يعني أن المتعلمين يشكلون نحو 87.3 من عدد المتعطلين.
</SPAN>
3. </SPAN>ارتفاع نسبة البطالة بين النساء ففي عام 1988 كانت نسبة البطالة بين النساء في الحضر 22.1 % مقابل 8.4% بالنسبة للبطالة بين الرجال أما في الريف فكانت النسبة أكبر من ذلك حيث بلغت 26.3 % بينما سجلت معدلات البطالة في صفوف الرجال في الريف انخفاضاً عن مثيله في الحضر، فقد بلغ نحو 6.6 %، أما إذا عدنا للبيانات التي أعلنتها اللجنة العليا للتوظيف في المذكرة آنفاً فإننا سوف نجد أن هناك 660 ألف إمرأة متعلمة وفي سن العمل وراغبة في فيه تعاني من البطالة ولا شك أن هذا الرقم عرضة لأن يرتفع بشكل كبير إذا ما أضفنا إليه إجمالي عدد النساء ممن هم في سن العمل وراغبات في العمل ولكنهم لم يتقدمن لشغل الوظائف المعلن عنها لكونهن غير متعلمين، أو لكونهن من خريجي النظام التعليمي قبل 1984 أو بعد عام 2000، وهي على أي حال من العاطلات.
</SPAN>
4. </SPAN>اتجاه معدلات البطالة للارتفاع في الحضر بعد أن كانت في فترات سابقة ترتفع بنسبة أكبر في الريف، حيث تشير بيانات تقرير التنمية البشرية 1995 إلى أن معدلات البطالة في الحضر كانت 12.5 % مقابل 9.2 % في الريف، وربما يمكن تفسير ذلك بتزايد معدلات هجرة الأيدي العاملة العاطلة من الريف إلى المدن سعياً وراء فرصة عمل وخصوصاً في القطاعات الهامشية التي تزدهر في المدن، كما يمكن إيجاد تفسير لهذه الزيادة في كون الجزء الأكبر من البطالة هي بطالة متعلمة وهي عادة موجودة بنسبة أكبر في الحضر إلى جانب قدرة قطاع الزراعة وخاصة الزراعة العائلية على استيعاب عمالة إضافية حتى وإن كانت زائدة عن حاجة العمل مما يقلل من نسبة البطالة الظاهرة في الريف مقابل زيادة نسبة البطالة المقنعة.
</SPAN>
أسباب مشكلة البطالة:
</SPAN>
ترجع أسباب مشكلة البطالة في الجزء الأكبر منها إلى أسباب هيكلية تعود إلى طبيعة نمو الاقتصاد المصري كاقتصاد نامي يعاني من اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين كل من الادخار والاستثمار وبالتالي الإنتاج والاستهلاك.
</SPAN>
ولاشك أن البحث في أسباب مشكلة البطالة لابد من ربطه بنمط عملية التنمية السائدة فقد شهد الاقتصاد المصري تقلب في أكثر من نمط من أنماط التنمية فمن نمط اقتصاد الحر الرأسمالي قبل ثورة يوليو 52، إلى نمط الاقتصاد الاشتراكي الموجه مع ما صاحبه من التزام الدولة باستيعاب الجزء الأكبر من العمالة في دولار العمل الحكومي بشقيه الإنتاجي والخدمي، حيث أدي ذلك إلى خفض معدلات البطالة في تلك الفترة فرغم ما مر به الاقتصاد المصري في الفترة من 1968 إلى 1973 من صعوبات نتيجة لتوجيه وتعبئة الجزء الأكبر من موارده لصالح الاتفاق العسكري إلى جانب ما صاحبه ذلك من تدهور معدل الاستثمار المحلي إلا أن معدلات البطالة في تلك الفترة كانت تدور حول معدلات منخفضة إذا ما قورنت بالوقت الراهن (2.2 % من حجم قوة العمل) الأمر الذي قد يرجع إلى استيعاب القوات المسلحة لجزء كبير من قوة العمل مع زيادة سنوات الخدمة العسكرية.
</SPAN>
ومع بداية تحول الاقتصاد المصري من نمط التنمية المعتمد على الاقتصاد الاشتراكي الموجه إلى تنفيذ ما سمي بسياسات الانفتاح الاقتصادي في النصف الثاني من السبعينيات اتجهت معدلات البطالة نحو الارتفاع النسبي إلا أن هذا الارتفاع ظل في الحدود المقبولة فقد تراوح معدل البطالة بين 2.3 % و5.6 % طوال هذه الفترة حيث مكن زيادة حجم الإنفاق الحكومي في ذلك الوقت ممن إعادة الإعمار وزيادة موارد مصر من النقد الأجنبي سواء كان ذلك من البترول أو تحويلات العاملين بالخارج أو حصيلة السياحة إضافة إلى القروض الضخمة التي حصلت عليها مصر آنذاك، كما ساهم استيعاب أسواق العمالة بالخليج العربي لأعداد كبيرة من العمال والفنيين المصريين في تأجيل انفجار مشكلة البطالة إلى عقدي الثمانينيات والتسعينيات حيث شهدت فترة الثمانينات العديد من العوامل التي أدت إلى تفاقم مشكلة البطالة.
</SPAN>
إذ ساهمت مجموعة من العوامل الخارجية في إضعاف معدلات الاستثمار وبالتالي زيادة حجم البطالة من هذه العوامل انخفاض الحصيلة من بيع البترول المصري نتيجة لانخفاض أسعارها إلى جانب قلة حجم الصادرات المصرية الأخرى. يضاف إلى ذلك تفاقم مشكلة ديون مصر الخارجية وزيادة أعباء خدمة الدين مع ما صاحب ذلك من قيود على قدرة مصر على الاقتراض.
</SPAN>
كل هذه عوامل وأسباب ساهمت في تفاقم مشكلة البطالة بدءاً من عام 1991 لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي حيث اتخذت مشكلة البطالة أبعاداًً جديدة فما هو أثر تطبيقه برنامج الإصلاح الاقتصادي على مشكلة البطالة.
</SPAN>
ويترتب على الاعتراف بتنوع صنوف البطالة تفهّم أن للبطالة أو نقص التشغيل، فى سياق الاقتصاد الكلى للبلدان النامية، آثاراً وخيمة على الرفاه البشرى. فانتشار البطالة يحرم المتعطلين من الكسب، مصدر العيش الأساسى لسواد الناس فى هذه البلدان. واستشراء البطالة المستترة) يضغط على الأجور، وهى متدنية أصلاً، ويُقلل من قدرتها على اللحاق بمتصاعد الغلاء. وحيث يشتد وقع البطالة على القطاعات الأضعف من المجتمع، الفقراء والنساء، تُساعد البطالة على زيادة التشرذم الاجتماعى.